كان للعنصر النسائي ضمن مخيم دُلني وجودًا بارزًا، حيث بلغت نسبة شريكات النجاح – كما يُطلق عليهن المخيم – نصف المشاركين الذين شاركوا في الدفعة الأولى والثانية خلال عام 2023. وقد أثبتت شريكات النجاح قدرتهن على التعلم والتطور في وقت غير متوقع، رغم اختلاف مسؤولياتهن الحياتية ما بين طالبة، وموظفة، وأم، ولم تمنعهن هذه المسؤوليات من خوض تجربة المخيم.
مخيم دُلني “التجربة الأولى”
“أحسست أن العنوان يخفي بين طياته الكثير وهذا ما دفعني للتسجيل فيه لدخول تجربة لم يخب ظني بعنوانها”، هكذا عبرت هناء الخضر عن الدافع الذي حفزها لتكون إحدى شريكات النجاح وضمن خريجات الدفعة الأولى من مخيم دُلني، وفي هذا السياق تروي هناء تجربتها ضمن المخيم بالقول: “دائماً ما كنت أبحث عن تجربة عملية مميزة في منطقة أُتخمت بالعمل النمطي والروتيني والمشاريع المكررة، تجربة تنقلني من طور إلى طور وتحفز طموحاتي وتفتح أمامي أبوابً وأفاقً كنت أظن أنها لا تفتح، لم يدم بحثي طويلاً حتى ظهرت أمامي المفاجأة وهي إعلان التسجيل في مخيم دُلني الذي كان مختلف في كل شيء حتى في استمارة التسجيل ومقابلة القبول، وأيضاً توقيت بدءْ المخيم جاء مختلفاً، حيث صادف حدوث الزلزال المدمر في شباط عام 2023، فكأن هذا الزلزال قد زلزل أفكار وقناعات الماضي ليكون مخيم دُلني هو بداية لطريق لا نهاية له من التطور والإبداع والانفتاح على عالم جديد غير نمطي أو مستهلك. طريق العالم الرقمي الذي عزمت على المضي فيه لتعلم مهارة كتابة المحتوى لتحسين محركات البحث باللغة العربية”.
بما يتميز مخيم دُلني
تركز هناء على بعض الجوانب التي تجدها مميزة ونوعية خلال رحلتها في مخيم دُلني قائلة: “لقد كانت فكرة مخيم دُلني فريدة من نوعها وغير مطروقة في شمال سوريا، تنوعت المهارات والمعارف التي حصلت عليها، حيث كانت مميزة من حيث الأسلوب والمعالجة في الطرح، ويمكن وصف المخيم بالشمولية، فلم يقتصر فقط على مجال كتابة المحتوى لتحسين محركات البحث بل عالج جميع الجوانب ذات الصلة سواء على مستوى المهارات الشخصية أو التقنية أو حتى العملية، إضافة للجلسات المميزة التي حملت اسم (لنتحاور) والتي تعرفنا من خلالها على تجارب خبراء وشخصيات مؤثرة في العالم الرقمي، لقد كانت فكرة المخيم فكرة سبّاقة في كل شيء ومعاصرة لكل جديد، ولا أبالغ إن قلت بأن أول تدريب حول الذكاء الاصطناعي وأدواته على مستوى شمال سوريا كان ضمن المخيم”.
محطات فارقة ضمن رحلة المخيم
كثيرة هي المحطات والمواقف التي تمر في حياة الإنسان نظرً لما يعايشه من تجارب حياتية متنوعة، وتجربة مخيم دُلني بحد ذاتها احتوت على العديد من المحطات المؤثرة والفارقة على المستوى الإنساني والعلمي والنفسي، كما تقول هناء، واصفة هذه التجربة بالقول:” بعد الجلسة التعريفة لانطلاق مخيم دُلني الأول حدث الزلزال الذي خلف العديد من المآسي سواء في تركيا أو سوريا كان منها وفاة أحد شركاء النجاح في المخيم بسبب الزلزال، وهنا اضطررنا للانقطاع عن المخيم فيزيائياً لمدة خمسة عشر يوماً، ورغم هذا الانقطاع لم تفتأ إدارة المخيم وكادره بالتواصل معنا والاطمئنان عن أحوالنا وتحفيزنا ودعمنا للاستمرار، هذه الخطوة المميزة منهم تركت أثراً كبيراً في النفس فكنا شركاءً لهم ولم نكن مُستهدفين أو متدربين، وهذا ما جعلني استمر ضمن مخيم دُلني رغم صعوبات المرحلة والضغط النفسي الكبير الذي خلفه الزلزال، إضافة للصعوبات المناخية وضعف الخدمات مثل الانترنت والكهرباء في منطقة شمال سوريا، ومن المحطات المهمة كانت بيئة المخيم بحد ذاتها بتنوع أفرادها ومسؤوليها وخبرائها سواء كانوا داخل سوريا أو خارجها، فقد كانت بيئة يطغو عليها الانسجام والراحة النفسية التي لم أعهدها في بيئات عمل أخرى، ولا أنسى الاحتفاء الذي حصلت عليه من إدارة المخيم بمناسبة عيد الأم كوني إحدى الأمهات ضمن مخيم دلني، وأهم محطة بالنسبة هي محطة الالتزام وعهد الالتزام الذي قطناه مع بداية انطلاق المخيم، فقد كانت جميع الأحداث والظروف تدفعنا دفعاً للإخلال بهذا العهد، إلا أن الالتزام أبى إلا أن يكون سلاحنا القوي للاستمرار والنجاح لأننا أيقنا بأننا شركاء النجاح في مخيم دلني”.
زوجة وأم وطالبة جامعية
تتعدد المسؤوليات الحياتية التي قد تشغلك عن تحقيق أحلامك أو البدء في طريق جديد، وتصبح في كثير من الأحيان عند مفترق طرق، فإما تسلك طرق تقليدية هدفها كسب المعيشة فقط أو تسلك طرق هدفها كسب المعيشة أيضاً وفي الوقت ذاته إيجاد موقعك في الحياة كشخص متفرد في ذاته مختلف عن غيره.
تتحدث هناء في هذا الجانب عن أهمية الأسرة وأولويتها في الحياة والتي تترافق مع أولويتها كامرأة تسعى إلى تحقيق طموحات وأحلام طالما رسمتها في مخيلتها، تقول هناء:” ينجح الرجل في حياته وأعماله بوجود امرأة داعمة له، وتنجح المرأة بوجود هذا الرجل الداعم لها، وكما أن قوانين الحياة تمشي وفق نظام قول الله تعالى: “ومن كل شيء خلقنا زوجين اثنين” فهذا يعني بأن الحياة في كل تفاصيلها مكونة من زوجين حتى تستمر وتسير لما خلقت له، وبالنسبة للبشر إن فهموا هذا المغزى ستصبح الحياة أقل تعقيداً، إن لم يكن على مستوى الصعوبات والتحديات اليومية فعلى الأقل على مستوى الفكر وما يعكسه من سلوك يومي، وهنا تصبح المهام اليومية في ظل هذا النمط من التفكير مهامً تعاونية تشاركية هدفها الوصول إلى النتيجة بعيداً عن التفاصيل المشتتة للنجاح، ويصبح النجاح والاستمرار فيه أمراً مسلماً به وحتميّ الحدوث، وتُنجز جميع المهام مهما تعددت أو زادت صعوبتها، وكل امرأة في ظل هذا النمط من التفكير تستطيع أن تكون زوجة وأم وطالبة وعاملة ورائدة أعمال إن شاءت”.
ما بعد مخيم دُلني
اقترب حفل تخريج الدفعة الأولى من مخيم دُلني بعد مناقشة مشاريع التخرج، بالتزامن مع اقتراب الامتحانات الجامعية ومشاريع التخرج لطلاب السنة الرابعة في جامعة حلب الحرة، نهايات بدأت متسارعة في مرحلة زمنية واحدة، ترافقها مشاعر مختلطة ما بين الاقتراب من النجاح والخوف مما بعده، الخوف من حالة الركود التي تصيب معظم الخرجين الجامعيين أو معظم من يقترب من نهاية مشوار إنجاز مشروع ما، تصف هناء هذه المرحلة بالقول: “لقد كنت أنتظر بلهفة هذه اللحظات المفرحة والمحزنة في ذات الوقت، التخرج من جامعة حلب الحرة باختصاص الإرشاد النفسي، والتخرج من مخيم دُلني، وراودني سؤال لم تبتعد إجابته كثيراً فيما بعد ألا وهو من يدلني بعد نهاية هذا المشوار، وكيف استثمر ما أنجزته في منطقة لم أشهد فيها فكرة خارج الأفكار النمطية سوى فكرة مخيم دُلني، منطقة سوق العمل الحر فيها يكاد يكون معدوماً، وتذكرت بأن مخيم دُلني جاء ليخرجنا من حدود المنطقة ويدخلنا عالم لا حدود له وهو العالم الرقمي، لم ألبث طويلاً في التشكك والتخوُّف مما يؤول إليه الأمر حتى جاءتني الفرصة للعمل في شركة تسويقية ضمن مجال كتابة المحتوى، وبدأت وتطورت من خلال هذه الشركة المميزة بجميع كوادرها.
وتختم هناء حديثها قائلة:” سعيدة جداً بما وصلت إليه، وفخورة بكوني من خريجات الدفعة الأولى في مخيم دلني، وأتمنى للمخيم وشركاء النجاح التقدم والتطور المستمر والوصول إلى أعلى قمة نجاح”.